محمد الميانى عضو خبير
الجنس : العمر : 48 تاريخ التسجيل : 24/10/2011 عدد المساهمات : 209 الأوسمة :
| موضوع: أدب المؤمن في الأشهر الحرم الثلاثاء يونيو 05, 2012 10:26 am | |
| [center] أدب المؤمن في الأشهر الحرم ونحن في هذا الشهر الكريم شهر رجب نريد أن نتعرف على بعض المعاني التي أكرمنا الله بها في هذه الأوقات فإن الله هو الذي وقت المواقيت وحدد الأمكنة وبين الأزمنة فضل بعض الأوقات على بعض وخصَّ بعض الأمكنة بالفضل الذي لا يوجد في البعض ففضل على الشهور شهر رمضان وبعده في الفضل رجب وشعبان وفضل على الأيام يوم عرفة وفضل على الليالي ليلة القدر وفضل على الأمم أمة الإسلام وفضل على الرسل رسولكم الكريم وكل ذلك يقول المولى فيه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} لم اختص الله هذا الشهر بمزية دون ما سبقه من الشهور؟إن هذا الشهر كانت العرب حتى قبل الإسلام تخصه بالاحترام والتجلة والإكرام وكانوا يسمونه الشهر الحرام أي تحرم فيه المعاصي والذنوب والسيئات والآثام حتى كان الرجل العادي والجاهلي إذا قابل قاتل أخيه في شهر رجب يلفت وجهه إلى الجهة الأخرى ولا ينظر إليه بسوء احتراماً لحرمة هذا الشهر الكريم وإذا قابل من أساء إليه بقول أو فعل أو عمل تغاضى عنه أو تركه توقيراً واحتراماً لهذا الشهر الكريم وجاء الإسلام وزادها توقيراً وتعظيماً وذلك في قول الله {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} فنهانا الله عن أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الكريمة وهي الأشهر الحرم ومن ضمنها شهر رجب الأغر وهنا سؤال ملح وكيف يظلم الإنسان نفسه؟ إن ظلم الإنسان لنفسه عند الله وعند رسول الله وعند كتاب الله وعند العلماء بالله هو أن يتجاوز الإنسان حدود الله {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي إن الإنسان الذي يتعدى أي يتجاوز الحدود التي أعدها الملك المعبود للمعاملات وللأخلاق وللعبادات وللكمالات الإلهية فقد عرض نفسه للظلم الكبير الذي لا ينفع فيه وزير ولا شفيع ولا نظير لأن الأمر يتعلق بالملك الكبير فإن كان الإنسان يرخي لنفسه العنان لترتكب بعض الهفوات أو بعض الزلات فإنه في هذا الشهر الكريم يجب أن يقبض بلجام نفسه بقوة الشريعة الإلهية ويجعلها مسخرة لأحكام رب البرية فلا تنظر العين منها إلا لما أحلَّه الله وإذا أرادت أن تلتفت إلى الحرام تقول لها {النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ أَبْدَلَهَا اللَّهُ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ}[1] يا أيتها العين أما سمعتي خالقك وهو يقول {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} وإذا أرادت الأذن أن تستمع إلى ما حرَّم الله من غيبة ونميمة وسبَّ وشتم وقول باطل قال لها يا أيتها الأذن: كوني كما قال الله{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}والأذن الواعية هي التي لا تقع في معصية وفى الأثر {المُغْتَابُ وَالمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي الإِثْمِ}[2] فأنت إذا استمعت إلى المغتاب فأنت على إحدى ثلاث خصال: الأولى إذا وافقته كنت شريكه على هذا الإثم وعلى هذا العمل وهذه الجريمة الشنعاء التي جعلها ربُّ الأرض والسماء أقبح من إسالة الدماء استمعوا إليه سبحانه إذ يقول {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} والثانية أنت إذا نهرته عن الغيبة وقمت عنه عرضت نفسك للسوء وللوقوع في عرضك ولارتكاب الإثم بسببك والحل الثالث ولا غنى له هو قول الله { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أنك توطن نفسك ألا تجلس في مجالس الغيبة ولا مجالس النميمة ولا في مجالس اللهو في هذه الأيام المباركة لأن الله حرَّم فيها هذه المعاصي وهذه المعاصي وإن كانت بالطبع محرَّمة طول العام ولكنها هذه الأيام أشد حرمة وأشد تجريماً وأشد وزراً عند الرحيم الرحمن {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} أي إن الإنسان يمسك بزمام نفسه وتجعلها تسير كما يريد الله وتمشي خلف رسول الله فالمكان الذي كان يحبه أجلسها فيه والعمل الذي كان يحبه يجعلها تعمله ومن أخبرني بحبهم أجالسهم وأتقرب منهم ومن عرَّفني أنه يبغضهم أسارع إلى النفور عنهم ومن هنا نفهم معنى الآية فمن أرخى العنان لنفسه فقد ظلم نفسه لأنها بوقوعها في الذنوب تستوجب غضب علام الغيوب ونحن الضعفاء والمساكين أحوج ما نكون إلى نظرة رضا من رب العالمين فإنه لو غضب على أحد طرفة عين كانت حياته كلها نكد وكان قبره شعْلة من اللهب وكانت قيامته حسرة وندامة يوم لا تنفع الندامة ولا الملامة وكان مصيره كما تعلمون وكما تعرفون والدنيا كما قال الإمام علي (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة) كلنا مسافرون وكلنا جاهزون للقاء الله ولا نعلم الميعاد ولا نعلم وقت السفر فعلينا أن نجهز الزاد والزاد الذي ينفع للميعاد وليس الأرصدة التي في البنوك ولا العمارات ولا الأراضين ولا الأولاد ولا البنين إلا إذا كانوا صالحين موفقين لاينفع إلا ما قال الله{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}عليك أن تجعل لنفسك رصيداً عند ربك ينفعك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} هذا الرصيد ما أسهله وما أيسره فإن التسبيحة الواحدة تعدل الدنيا من أولها إلى آخرها عند الله ولذلك عندما مر سليمان ابن داود ومعه جنوده وقد حملته الريح ونظر إليه رجل فقير في الأرض وتعجب الريح تحمل البساط وعليه نصف مليون جندي من الإنس والجن غير الحيوانات والطيور لأنها كلها كانت مسخرة لسليمان فنظر إلى هذا الملك العظيم وقال ما أعظم ما أوتي سليمان بن داود فحملت الريح تلك الكلمة إلى سليمان فأمرها أن تهبط بالبساط ودعا الرجل وقال له ماذا قلت يا عبد الله؟فأخذته رهبة فخفف عنه وقال لقد قلت: ما أعظم ما أوتي سليمان بن داود فقال سليمان: والله يا أخي لتسبيحة واحدة في صحيفة مؤمن خير وأعظم عند الله مما أوتي سليمان بن داود كلمة (سبحان الله) خير لك عند الله تجدها يوم القيامة في رصيدك خير لك من أن تضع في هذا الرصيد الدنيا كلها من أولها إلى آخرها ولذلك ينبئ الرسول الكريم عن الصفحة التي تثقل الميزان فيقول {والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جِيءَ بالسَّمَاواتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، ومَا بَيْنَهُنَّ، ومَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ في كَفَّةِ المِيزَانِ، وَوُضِعَتْ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله في الكَفَّةِ أُلاخْرى لَرَجَحَتْ بِهِنَّ}[3] ولذلك عندما كان سيدنا موسى في حالة المناجاة في حضرة الله فقال كما ورد بالحديث { يَا رَب عَلمْنِي شَيْئَاً أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِه قَالَ: يَا مُوسَىٰ قُلْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: يَا رَب، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هذَا، قَالَ : قُلْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، يَا رَب إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئَاً تَخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَىٰ لَوْ أَنَّ السَّموَاتَ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهِمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ}[4] كلمة هينة لينة ما أسهلها على اللسان وما أحبها إلى الرحمن وما أثقلها في الميزان يوم لا ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه فاتقوا الله عباد الله وامتنعوا عن المعاصي في هذه الأيام المباركة واستكثروا فيها من الطاعات وحركوا ألسنتكم بذكر خالق الأرض والسموات ماذا عليك لو قلت وأنت في الطريق تمشي لا إله إلا الله؟ ماذا عليك لو كررتها وأنت جالس في بيتك وأنت جالس في عملك وأنت راكب في مواصلتك؟ ماذا تكلفك وبماذا تتعبك؟ إنها دليل على توفيق الله للمؤمنين ففي الأثر المشهور قيل {إذا أكرم الله عبدا ألهمه ذكره وألزمه بابه وآنسه به } حتى قال { لو علم المغترون بالدنيا ما فاتهم من حظ المقربين وتلذذ الذاكرين وسرور المحبين لماتوا كمدا}[5] ألهم لسانه ذكره ليكون كلامه أرباح وليكون كلامه فلاح ونجاح وليكون كلامه رضا لحضرة الكريم الفتاح وليكون كلامه تكريماً له يوم القيامة وإذا أبغض الله عبداً جعل لسانه بذيئاً ينطق بالألفاظ البذيئة ولا يتحرك إلا كالسوط يجلد هذا بكلامه ويؤلم هذا بصراخه وسبابه ويؤذي هذا بغيبته ويفرق بين هذا وذاك بنميمته إن هذا يكون على شاكلة إبليس لأنها أعمال إبليس فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الجوارح تخاطب اللسان كل صباح فتقول {إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ الِّلسَانَ فَتَقُولُ: اتَقِ الله فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا}[6] كل صباح تجتمع أعضاءك وأنت لا تشعر وتحدث اللسان لأن الإنسان لا يؤاخذ إلا بكلمات هذا اللسان وبأفعال هذه الجوارح وبنيّة القلب والجنان قال النبي {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا دَارُ الْتِوَاءٍ لاَ دَارُ اسْتِوَاءٍ، وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لاَ مَنْزِلُ فَرَحٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ لِشِدَّةٍ، أَلاَ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ خَلَقَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَىٰ، وَالآخِرَةَ دَارَ عُقْبَىٰ، فَجَعَلَ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا لِثَوَابِ الآخِرَةِ، وَثَوَابَ الآخِرَةِ مِنْ بَلْوَىٰ الدُّنْيَا عِوَضاً، فَيَأْخُذُ لِيُعْطِى، وَيَبْتَلِي لِيُجْزِى، فَاحْذَرُوا حَلاَوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا وَلاَ تَسْعَوْا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَىٰ اللَّهُ خَرَابَهَا، وَلاَ تُوَاصِلُوهَا وَقَدْ أَرَادَ مِنْكُمْ اجْتِنَابَهَا، فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرضِينَ، وَلِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقينَ][7] أكرم الله المؤمنون في هذا الشهر فأخذ حبيبه ومصطفاه في رحلته المباركة وأغدق عليه من نوره العام ومن صنوف الإكرام ما لم يعلمه إلا الملك العلام في هذه الليلة ليعلمنا أن هذا الشهر هو شهر إكرام الله لعباده المؤمنين والذي قال في حقه سيد المرسلين {رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي}[8] ومعنى شهر الله أي شهر العفو الإلهي ومغفرة الله وإحسانه وإكرامه لعباده لأن الله موصوف بهذه الصفات الكريمة وفي كل ليلة من ليالينا يتنزل في الثلث الأخير وينادي علينا ويتعجب من لجوئنا لغيره وهو أقرب إلينا من حبل الوريد فيقول{ألا مُسْتَغْفِرٌ فأغْفِرَ لَهُ ألا مُسْتَرْزِقٌ فأرْزُقَهُ ألا مُبْتَلًـى فـأُعافِـيَهُ ألا سائِلٌ فأعْطِيَهُ ألا كَذا ألا كذا حَتَّـى يَطْلُعَ الفَجْرُ}[9] http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الخطب%20الإلهامية_مناسبات_ج3_ رجب%20والإسراء%20والمعراج&id=10&cat=3 [1] روى في الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود. [2] ورد فى الإحياء للغزالى وفى مراقى العبودية. [3] رواه أحمد والطبراني والبزار من حديث ابن عمر. [4] أبو يعلى فى مسنده وأبو بعيم فى الحلية والبيهقى فى السنن وغيرها عن أَبي سعيدٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ. [5] الزهد الكبير للبيهقي رواية عن ذى النون [6] سنن الترمذى وغيرها ، عن أبر سعيد الخدرى [7] الديلمى عن ابن عمر رضى الله عنهما [8] أبو الفتح بن أبي الفوارس من أماليه عن الحسن مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والفتح الكبير. [9] عن جبير بن مطعم عن أبيه وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة. [/center] | |
|